مسيكة
التائبة ( 1 )
قال الله تعالى : " ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن
تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور
رحيم " سورة النور آية ( 33 ) .
في مجتمع
المدينة المنورة الذي هاجر إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كانت
المعركة بين الحق والباطل تأخذ صوراً متعددة ، ومن أعنف تلك الصور ، الحرب
الخفية التي كان أعداء الإسلام من يهود ومنافقين يشنوها على الإسلام
والمسلمين .
كان عبد
الله بن سلول رأس المنافقين يشن حرباً لا هوادة لها على الًمسلمين ، فقد
كان قدوم الإسلام إلى المدينة المنورة سبباً في ألّا يتوج ملكاً على
المدينة المنورة ، لذلك كانت أحقاد ابن سلول حليف اليهود ضد المسلمين
أحقاداً لا نهاية لها .
كان لعبد
الله بن سلول جيوب للدعارة بها فتيات جميلات من يهود وغير يهود ، ترفع أمام
تلك البيوت رايات حمر لتعرف بها ، وكان يحاول من وراء ذلك أن يغوي شباب
المؤمنين للانحراف عن الطريق القويم الذي تمسكوا به .
كان من بين
فتياته فتاة تدعى ( مسيكة ) استطاع أن
يكرهها على البغاء قبل قدوم المسلمين إلى المدينة المنورة .
وحين جاء
الإسلام بنوره إلى المدينة المنورة ، سمعت ( مسيكة ) من ابن سلول تحذيره
لها ولزميلاتها مما يدعو إليه محمد – صلى الله عليه وسلم – بل كان يرصد
مكافأة ثمينة لمن تستطيع أن تغوي أحداّ من أتباع الإسلام وتوقع به في
المعصية .
أخذت (
مسيكة ) تتساءل بينها وبين نفسها عن هذا الدين الجديد الذي اخذ ابن سلول من
تحذيرها منه، وأخذت تقترب خفية من نساء الأنصار ، فسمعت منهن القرآن
الكريم ، فداخل قلبها بنوره حين سمعت قوله تعالى : " طه
، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ، إلّا تذكرة لمن يخشى ، تنزيلاً ممن خلق
الأرض و السموات العلى ، الرحمن على العرش استوى ، له ما في السموات وما في
الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ، وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السرّ وأخفى ،
الله لا إله إلّا هو له الأسماء الحسنى " سورة طه الآيات من( 1- 8 )
سألت (
مسيكة ) عن الإسلام ، فسمعت أنه شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأن محمداً
رسول الله ،وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع
إليه سبيلاً ،وسألت عن الذي يقترف الذنب ، فسمعت ما فتح أمامها أبواب الأمل
في توبة الله سبحانه وتعالى ، فهو القائل : "
قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر
الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم" سورة الزمر( 35 )
وسمعت قول
النبي – صلى الله عليه وسلم - : " إن الله يبسط يده
بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع
الشمس من مغربها " .
أحست مسيكة
أنها لا بد أن تبدأ خطوة على درب التوبة ، ولكن – ما السبيل إلى ذلك وابن
سلول يريد مزيداً من المال من انحرافها وانحراف غيرها .
ذات يوم
حضر سادة من تميم لزيارة ابن سلول وكانوا يأتون إليه كلما عادوا من رحلتهم
إلى بلاد الشام يطلبون المتعة الحرام ، فبادرهم بالتحية ، وجلسوا إليه
يتبادلون الحديث ، ودارت بينهم كؤوس الراح ، ثم سأله احدهم عن تلك الفتاة
التي أرسلها إليهم في المرة السابقة .
أمر ابن
سلول قيم الدار أن يرسل ( مسيكة ) ومعها أخريات ، لكنه عاد إليه وأخبره
أنها تأبى الحضور ، فبدت عليه أمارات الدهشة حين سمع منه ذلك . مضى ابن
سلول مسرعاً إلى غرفة مسيكة ودفع الباب بقدمه فوجدها تصلي كما يصلي
المسلمون ، ذهل ابن سلول حين رأى ذلك واندفع إليها ليضربها بقسوة ووحشية
قائلاً : ويل لك أأغواك محمداً؟ فقالت : بل هداني للحق ، فزاد غضبه وأخذ
يضربها بقسوة ويركلها بقدمه حتى شجّ رأسها وخرج .
أخذت (
مسيكة ) تفكر كيف تدفع شر ذلك الشيطان ابن سلول ، فهي لا تريد أن تعود مرة
ثانية إلى مستنقع الإثم الذي يجدون فيه ضالتهم . أخذت تقلب الرأي فيما تفعل
، وأخيراً وجدت أنها لا تستطيع أن تواجههم إلّا إذا مضت إلى رسول الله –
صلى الله عليه وسلم – وشرحت له الأمر .
انتظرت (
مسيكة ) حتى أرخى الليل سدوله ، وأخذت تتحين الفرصة لتمضي من البيت دون ان
يراها أحد . وحين انتصف الليل ، انتهزت الفرصة وفرت مسرعة ، ولكن – إلى أين
تذهب ؟ تذكرت وهي تمضي تلك المرأة العجوز المسلمة التي تعيش وحدها ، والتي
سمعت منها القرآن الكريم، فأسرعت إلى بيتها ، وطرقته ، وهبت المرأة العجوز
وفتحت لها الباب ، وطلبت منها أن تؤويها حتى الصباح ، فرحبت بها المرأة .
أخذت المراة العجوز تبحث في بيتها عن طعام تقدمه لمسيكة ، ثم جلست إلى
جوارها تواسيها وتسمع منها مأساتها .
وعندما
أشرق الصباح ، مضت المرأة مع مسيكة إلى مسجد رسول الله – صلى الله عليه
وسلم – وعند باب المسجد لقيها أبو بكر الصديق ، فهاله ما رأى من أمر الفتاة
التي علتها الجراح ، وسألها عن الأمر فأخبرته بأن ابن سلول يريد إرغامها
على البغاء . دخل أبو
بكر إلى
رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقص عليه الأمر وأخذ الرسول ما يأخذه حيث
يتنزل عليه الوحي من ربه سبحانه وتعالى، لقد أنزل الله في شأنها قوله
الكريم :
" ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً
لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم "
سورة النور ( 33 )
وعلمت
مسيكة بما تنزل في شأنها من السماء يؤازر موقفها ، ما أعظمك يارب العالمين
وما أكرمك ، هكذا أخذت مسيكة تشكر ربها .
وانتشر الأمر بين الناس ، وانكشف موقف عبد الله بن أبي سلول من
المسلمين ، وأخذ يردد : محمد يغلبنا على مملوكتنا .
وهكذا نعيش كمسلمين مع قصة تلك الفتاة التي آزر الله توبتها ،
وسجل في القرآن الكريم قصتها ، فهو سبحانه غافر الدنب و قابل التوب الرحيم
بخلقه.
فهل من تائب ؟